نشر في الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٢ – جريدة الاتحاد
يتفق معظم العاملين في الحقل السياسي على أنه لا توجد فيه صداقات دائمة وإنما هناك مصالح دائمة، وهذه المصالح عرضة للتبدل والتغيير باستمرار، ولغة المصالح هي ما يحكم قواعد اللعبة السياسية، ولذا فإن القيم والمبادئ تتراجع إذا اختلفت مع مصلحة من مصالح طرف من الأطراف السياسية، وهذا هو الواقع المشاهد بعيداً عن الشعارات البراقة والخطب المعسولة. ومن هنا يتضح بجلاء أن استخدام طرف للدين كأداة من أدوات العمل السياسي يشكل إساءة بالغة للدين وتشويهاً للنقاء والطهر الذي يحمله، وهو مما يجعل الأطراف الأخرى تتجاوز الحدود وتتعدى على الدين لأنه أصبح يقف حاجزاً بينها وبين تحقيق مصالحها التي تراها حقاً طبيعياً لها. وهذا ما حدث للكنيسة في أوروبا قبل عصر النهضة عندما واجهت الناس في مصالحهم باسم الدين وقمعتهم وأضرت بهم باسمه، وهو كذلك الذي أدى لظهور الماركسية كردة فعل لتحكم الكنيسة وتوظيفها للدين في معركتها السياسية مع معارضيها. فاللعبة السياسية مهما لبست عباءة القيم والمبادئ فإنها في النهاية تخلق أصدقاء وتصنع أعداء، وبالتالي فمن يستخدم الدين قد يحقق مكاسب له لكنه يصنع أعداء له قد يتحولون إلى أعداء للدين وهنا تتجلى أهمية حماية الدين من أن يستغل من أي طرف في معركته السياسية.
وإذا تأملنا واقع ما يجري من أحداث في العالم العربي الآن نجد أن هناك من يعمل للزج بالإسلام في الصراع السياسي الدائر في بعض الدول ويتم الحكم على دين الناس وإيمانهم بحسب مواقفهم السياسية، وتنتعش سوق الفتوى لتجنيد الأتباع وتصنيف الناس حسب انتماءاتهم السياسية بأنهم من جند الله المدافعين عن الحق أو أنهم من أهل الباطل المناصرين للطاغوت، بل وحتى حركات الإسلام السياسي تتغير فتواها الشرعية حسب مواقفها السياسية لأن كلاً منها يرى أنه يمثل الحق وأن الآخرين قد انحازوا إلى الباطل، ويوظف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لإثبات ذلك، وهذا ما قد يزعزع ثقة عامة الناس في الدين لأنهم يرون أطرافاً مختلفة تتبنى مواقف سياسية بغطاء شرعي مستخدمة آيات كريمة وأحاديث نبوية. إن على جميع الأطراف السياسية في العالم العربي البعد عن الزج بالإسلام في معاركها السياسية والمحافظة على قدسيته وطهارته وإدراك أن ما قد تصبوا إليه من مكاسب سياسية باستخدام الدين قد يجلب ضرراً أكبر على مكانة الدين في نفوس الجماهير وعلى وحدة المجتمع. إن الإسلام يجب أن يكون المظلة التي يجتمع الناس تحتها وليس أداة بيد فريق ضد آخر وإن التصنيف الإيماني للناس بحسب مواقفهم السياسية سيؤدي لا محالة إلى زعزعة استقرار المجتمع وتمزقه. ومن يريد أن يكون حامياً للإسلام فعليه عدم إدخاله كطرف في لعبة سياسية هي في النهاية لعبة.