نشر في الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤ – جريدة الحياة
عمل الإخوان المسلمون على تسويق أنفسهم سياسياً وإعلامياً على أنهم حركة اعتدال ووسطية وأن البديل منهم هو جماعات إرهابية وتكفيرية، وتناسوا أن محاضن جماعات العنف والتكفير في العالم العربي إنما كانت إخوانية، وأنهم صنعوها لكي يتمكنوا من تسويق التنظيم الرئيسي للإخوان. ومثلت الأحداث التي عصفت بالعالم العربي خلال السنوات الثلاث الأخيرة وتجربة حكم «الإخوان» لمصر والأدوار التي قاموا بها في تونس وليبيا واليمن وغيرها درساً عملياً لمن أراد أن يعرف حقيقة هذا التنظيم والدور الفعلي الذي قام به في تدمير الأوطان وليس تغيير أنظمة الحكم في تلك الدول. وعلى رغم هذا فإن العقول التي تمكن تنظيم الإخوان من تلويثها لم تتمكن من التفكير خارج السياق الممنهج للإخوان، فقامت بإعادة أسطوانة تسويق الإخوان كحركة اعتدال ووسطية، وقد تم ذلك من خلال حملة مقالات ولقاءات حوارية في بعض الفضائيات ومشاركات في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويأتي مقال الكاتب جمال خاشقجي كنموذج واضح وجلي لذلك والذي عنونه بـ «حاك… يحيك مؤامرة» «الحياة» 16/8/2014)، وأراد من خلاله اعتبار ما يسمى الربيع العربي كاستحقاق تاريخي، وأن داعش هي حركة سياسية دينية غاضبة، وأن الحوثيين هم «انتقام الزيدية الأصولية المتأخر». ورفض بصورة قاطعة ان تكون هناك مؤامرة او ادوار خارجية صنعت كل ذلك، وطالب القارئ بأن لا يلتفت إلى كل الأدلة والإثباتات التى تتعلق بصناعة الفوضى الخلاقة في عالمنا العربي او الدور الغربي في انشاء ودعم معاهد ومراكز التغيير الإخوانية، وقد فاته أن يفنّد لنا ما ذكرته هيلاري كلينتون عن الدور الأميركي فيما يسمى الربيع العربي ودعمهم تنظيم الإخوان للسيطرة على المنطقة. أن تبسيط طبيعة العلاقة بين إيران والحوثيين ووضعها في إطار دعم مالي وعسكري يستفيد منه طرف واحد هو الحوثيون، لهو استخفاف بعقلية القارئ وتبرئة لإيران من دورها التآمري على العرب بعامة والسعودية بصفة خاصة، واستخدام مذهب الزيدية كواجهة للحوثيين هو كاستخدام الإخوان الإسلام كواجهة لتنظيمهم السياسي. وأجد غرابة في كيفية تجاوز الكاتب للتوافق الكبير بين حركة الحوثين وبين «حزب الله» في التنظيم والشعارات وصنع دولة داخل الدولة، بل مشاركة الطرفين معاً في القتال في سورية إلى جانب نظام بشار.
وأما اعتبار أن «داعش» حركة سياسية دينية غاضبة والتشويش على القارئ في مرجعيتها، فذكر أنها تنتمي الى مذهب الظاهرية ثم نسبها الى جهيمان وحركته «الجماعة المحتسبة» مع تأثرهم ببعض أفكار سيد قطب ولم يأتِ على ذكر الخوارج ومنهجهم التكفيري، ففيه دلالة واضحة على التيه الفكري الذي يعيش فيه الكاتب وإغفاله الحقائق التي نشاهدها كل يوم من أقوال وأفعال «داعش» والتي تدل دلالة قطعية على براءة الإسلام من هذا التنظيم الهمجي الذي بدأ بذبح الأبرياء من أهل السنّة قبل غيرهم واستخدم أسلوباً همجياً بذبح الناس كالنعاج تحت راية لا اله الا الله، وتصوير ذلك ونشره لكي يشاهده العالم أجمع. إن تركيبة «داعش» والدور الأجنبي في دعمه يثير علامة استفهام كبيرة، ووجود قيادات داعشية من دول أوروبية تم تجنيدها في مراكز إسلامية يديرها تنظيم الإخوان المسلمين يجعلنا نستعيد ما قام به الإخوان المسلمون من خلال مراكزهم في العالم لمواجهة الغزو السوفياتي، حيث انهم لم يبعثوا أعضاء التنظيم العاملين للقتال هناك وإنما عملوا على تجنيد الآخرين لذلك، وقد أدركت الحكومات الأوروبية اخيراً انها ارتكبت خطأً فاحشاً حين سلّمت اجهزة استخباراتها المراكز الإسلامية في المدن الأوروبية لتنظيم الإخوان المسلمين باعتباره يمثل الاعتدال والوسطية بين الجماعات الإسلامية، وذلك لأنه تبين أن هذه المراكز هي التي فرّخت مقاتلين لـ «داعش» و «القاعدة» والذين أصبح بعضهم يمثل تهديداً للأمن الأوروبي وليس للأمن العربي فقط.
وعندما يتأمل القارئ اختيارات خاشقجي في مقاله يتبين له أنه اختار الربيع العربي باعتباره ربيعاً إخوانياً مع الحوثيين و «داعش»، وأن القاسم المشترك بينهم هو عدم إيمانهم بالدولة الوطنية والتي يعتبر تدميرها والقضاء على إنجازاتها وتشويه رموزها هدفاً مشتركاً للنماذج الثلاثة. ولا شك في أن فترة حكم «الإخوان» لمصر تمثل فرصة غنية للباحث في فكر «الإخوان» ومنهجهم، وذلك لظنهم أنهم باقون في الحكم الى الأبد، فكشفوا علانية العديد من الأمور التي كانوا يخفونها أو ينكرون وجودها، حيث أنهم اعترفوا بالنظام الخاص الذي كان ينكره بعضهم، بل أقر بعضهم باستمرارية وجوده، وتبين أن العنف أسلوب أصيل ومعتمد داخل التنظيم لتحقيق أهدافه. وثبت ذلك عملياً بعد سقوط حكم الإخوان في مصر. لذا فإن حياكة التنظيم مؤامرات القضاء على الدولة الوطنية والتحالف مع من يحيك تلك المؤامرات في الخارج أمر لم يتمكن ما حاكه الكاتب في مقاله من حياكة، من نفيه أو تبريره.
المصدر: الحياة